بتاريخ 30 / 10 / 2009 وتحت عامود بلاغة شف بجريدة الجريدة كتب الكاتب "ملقوف" مقال أكثر من رائع، تحدث فيه عن الزمن الجميل للكويت وعن رجل ولا كل الرجال هو المرحوم بإذن الله العم حمود الزيد الخالد، هذا الرجل الذي ترك بصمات كثيرة وكبيرة على صفحات تاريخ الكويت الحديث. سوف أنقل نص المقال بالكامل :
-
نص المقال
لا أدري لماذا تذكرتُ المثل الكويتي القديم الذي يقول: «أبوي ما يقدر إلا على أمي» خاصة حين يجول بك الذهن في المشهد السياسي المحلي، وتحاول تلمُّس شيء من حقائقه وواقعه، لا تلك الألوان التي تغطي حقيقة الصورة بداخله.
تذكرتُ ذلك المثل وأنا استعرض محاضر جلسات المجلس التأسيسي في محاولة لمعرفة الكيفية والعمق والبعد، التي كُتب الدستور وفقاً لها، ناهيك عن آليات النقاش وماهيته وحقيقة قربه من الوازع الوطني الحقيقي لإعداد وثيقة العهد السياسي الجديد للدولة.
في ذلك الزمن الجميل، أقرت لجنة صياغة الدستور المادة الثانية من الدستور، وفيها أن الشريعة مصدر أساسي من مصادر التشريع كما هي الآن، وعند مناقشة المواد في المجلس كان هناك إصرار من عدد كبير من النواب أعضاء المجلس التأسيسي على تعديلها لتصبح الشريعة «المصدر الأساسي» للتشريع... ودارت مناقشات طويلة أفاض فيها الخبير الدستوري وبعض الأعضاء، واضْطُر المجلس إلى تأجيل بحثها في أكثر من جلسة... لم تكن هناك أغلبية تزايد من أجل مصالح انتخابية أو لإرضاء وإعلاء شأن جمعيات دينية وما شابهها... كان التدين طبيعياً صادقاً ولم يكن -مثل اليوم- مصطنعاً ومدفوعاً بمكاسب ومآرب سياسية... وحين لم يصل النقاش إلى وفاق وقف المرحوم حمود الزيد الخالد وكان وزيرا للعدل –أي عضوا في الحكومة قبل المجلس– وقال إن أردتم تغيير المادة الثانية إلى ما تدعون إليه فعليكم أن تغيروا المادة السادسة التي تقول إن الحكم وراثي في ذرية المغفور له الشيخ مبارك الصباح، إذ ليس في الشريعة ما يقول إن الحكم وراثة... عندئذ سكت المطالبون، ونقل الأمر إلى المغفور له الشيخ عبدالله السالم الذي طلب الابقاء على المادة كما هي، مُعلِّقاً بأنها –أي المادة الثانية– بدون «ال» التعريف لا تعني أننا لسنا مجتمعاً مسلماً، وأُقرَّت بعد ذلك كما هي دونما ضجة وافتعال أو انفعال، ودون كتابة على جدران المدارس ومحولات الكهرباء تقول بأن «القرآن دستورنا» وأن «الشريعة منهجنا».
وقد علق ساخراً أحد الأصدقاء على مداخلة المرحوم حمود الزيد الخالد بقوله إن العم حمود جاءهم من الآخر، واتَّبع نظرية «ناس تخاف ما تستحي، وإن كانوا جادين في التمسك والالتزام بأن الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع فليعلنوا رأيهم في المادة السادسة صراحة وعلنا...».
تذكرتُ تلك الواقعة وتعليق صديقنا عليها بسخرية خاصة بعد زوبعة فتوى الحجاب التي تزعَّمها السيد العضو محمد هايف وأيده فيها نواب الإسلام البرلماني العمير والطبطبائي، والحربش وغيرهم... ولو أعدنا عقارب الساعة إلى الوراء وتصورنا المشهد بمداخلة المرحوم حمود الزيد فكيف كان هؤلاء سيردون... أنا على يقين بأنهم كانوا سيجدون لها فتوى، ويُلْبسون المادة السادسة عمامةً إسلامية من الدرجة الأولى مثلما ألبسوا البنوك الإسلامية جلباباً من «الفتاوي والتقاوي» لشراء الأخشاب مقابل القروض..! لكن ذاك زمن، وهذا زمن والحمد لله أنهم لم يكونوا في قاعة المجلس التأسيسي آنذاك، وإلا لتحول خياطو شرق إلى اختصاصيين في خياطة الجلابيب، ولتحولت مواقف السيارات إلى «مراحات» للإبل. ولكنا سباقين إلى «طالبان» في بناء دولة الدين على حساب الإنسان.
الآن وبعد حكم المحكمة الدستورية الذي أقره ستة من المستشارين القضاة الأفاضل خرج علينا السيد محمد هايف، مؤكدا أن حكم الله فوق حكم الدستور، وهو تصريح يلغي الدستور من جهة، ويؤكد أن السيد هايف هو وحده مَن يعرف حكم الله، وأن السادة القضاة لا يعرفونه، وهم الذين أقسموا على القرآن مثلما أقسم هو عليه بتطبيق العدالة واحترام دستور البلاد وقوانينها... الفرق أنهم نفذوا قسمهم وأوفوا به، أما السيد هايف... فله ملاحظات!
نعود ونتذكر المادة السادسة ورأي السيد محمد هايف والطبطبائي والحربش والعمير وغيرهم فيها دون فتوى من هذا أو ذاك... ألم يصدق المثل الكويتي القائل: «أبوي ما يقدر إلا على أمي...»؟!.
-
نص المقال
لا أدري لماذا تذكرتُ المثل الكويتي القديم الذي يقول: «أبوي ما يقدر إلا على أمي» خاصة حين يجول بك الذهن في المشهد السياسي المحلي، وتحاول تلمُّس شيء من حقائقه وواقعه، لا تلك الألوان التي تغطي حقيقة الصورة بداخله.
تذكرتُ ذلك المثل وأنا استعرض محاضر جلسات المجلس التأسيسي في محاولة لمعرفة الكيفية والعمق والبعد، التي كُتب الدستور وفقاً لها، ناهيك عن آليات النقاش وماهيته وحقيقة قربه من الوازع الوطني الحقيقي لإعداد وثيقة العهد السياسي الجديد للدولة.
في ذلك الزمن الجميل، أقرت لجنة صياغة الدستور المادة الثانية من الدستور، وفيها أن الشريعة مصدر أساسي من مصادر التشريع كما هي الآن، وعند مناقشة المواد في المجلس كان هناك إصرار من عدد كبير من النواب أعضاء المجلس التأسيسي على تعديلها لتصبح الشريعة «المصدر الأساسي» للتشريع... ودارت مناقشات طويلة أفاض فيها الخبير الدستوري وبعض الأعضاء، واضْطُر المجلس إلى تأجيل بحثها في أكثر من جلسة... لم تكن هناك أغلبية تزايد من أجل مصالح انتخابية أو لإرضاء وإعلاء شأن جمعيات دينية وما شابهها... كان التدين طبيعياً صادقاً ولم يكن -مثل اليوم- مصطنعاً ومدفوعاً بمكاسب ومآرب سياسية... وحين لم يصل النقاش إلى وفاق وقف المرحوم حمود الزيد الخالد وكان وزيرا للعدل –أي عضوا في الحكومة قبل المجلس– وقال إن أردتم تغيير المادة الثانية إلى ما تدعون إليه فعليكم أن تغيروا المادة السادسة التي تقول إن الحكم وراثي في ذرية المغفور له الشيخ مبارك الصباح، إذ ليس في الشريعة ما يقول إن الحكم وراثة... عندئذ سكت المطالبون، ونقل الأمر إلى المغفور له الشيخ عبدالله السالم الذي طلب الابقاء على المادة كما هي، مُعلِّقاً بأنها –أي المادة الثانية– بدون «ال» التعريف لا تعني أننا لسنا مجتمعاً مسلماً، وأُقرَّت بعد ذلك كما هي دونما ضجة وافتعال أو انفعال، ودون كتابة على جدران المدارس ومحولات الكهرباء تقول بأن «القرآن دستورنا» وأن «الشريعة منهجنا».
وقد علق ساخراً أحد الأصدقاء على مداخلة المرحوم حمود الزيد الخالد بقوله إن العم حمود جاءهم من الآخر، واتَّبع نظرية «ناس تخاف ما تستحي، وإن كانوا جادين في التمسك والالتزام بأن الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع فليعلنوا رأيهم في المادة السادسة صراحة وعلنا...».
تذكرتُ تلك الواقعة وتعليق صديقنا عليها بسخرية خاصة بعد زوبعة فتوى الحجاب التي تزعَّمها السيد العضو محمد هايف وأيده فيها نواب الإسلام البرلماني العمير والطبطبائي، والحربش وغيرهم... ولو أعدنا عقارب الساعة إلى الوراء وتصورنا المشهد بمداخلة المرحوم حمود الزيد فكيف كان هؤلاء سيردون... أنا على يقين بأنهم كانوا سيجدون لها فتوى، ويُلْبسون المادة السادسة عمامةً إسلامية من الدرجة الأولى مثلما ألبسوا البنوك الإسلامية جلباباً من «الفتاوي والتقاوي» لشراء الأخشاب مقابل القروض..! لكن ذاك زمن، وهذا زمن والحمد لله أنهم لم يكونوا في قاعة المجلس التأسيسي آنذاك، وإلا لتحول خياطو شرق إلى اختصاصيين في خياطة الجلابيب، ولتحولت مواقف السيارات إلى «مراحات» للإبل. ولكنا سباقين إلى «طالبان» في بناء دولة الدين على حساب الإنسان.
الآن وبعد حكم المحكمة الدستورية الذي أقره ستة من المستشارين القضاة الأفاضل خرج علينا السيد محمد هايف، مؤكدا أن حكم الله فوق حكم الدستور، وهو تصريح يلغي الدستور من جهة، ويؤكد أن السيد هايف هو وحده مَن يعرف حكم الله، وأن السادة القضاة لا يعرفونه، وهم الذين أقسموا على القرآن مثلما أقسم هو عليه بتطبيق العدالة واحترام دستور البلاد وقوانينها... الفرق أنهم نفذوا قسمهم وأوفوا به، أما السيد هايف... فله ملاحظات!
نعود ونتذكر المادة السادسة ورأي السيد محمد هايف والطبطبائي والحربش والعمير وغيرهم فيها دون فتوى من هذا أو ذاك... ألم يصدق المثل الكويتي القائل: «أبوي ما يقدر إلا على أمي...»؟!.
2 التعليقات:
موضوع جدا مهم اتمنى الكل يقراه
http://6amoo7a.blogspot.com/2011/01/blog-post.html
طموحةمملوحة
قرأت الموضوع .. الموضوع مهم جدا وحساس جدا
هي فعلا مشكله وقد تكون طبيعة المجتمع هي أحد أسبابه
الحلول التي وضعتيها منطقية جدا ولكن بشكل عام أتصور أن وزارة الداخلية يجب تنشأ قسم خاص لتلقي البلاغات المتعلقة بالموضوع وتتعامل معها بسرية تامة وأن يصاحب إنشاء هذا القسم حملة توعية تبين مهام القسم وتأكد من خلالها أنه سوف يتم التعامل بسرية تامة مع أي بلاغ
إرسال تعليق